الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
الموسوعة الفقهية / الجزء الثامن والعشرون
1 - الصّنج لغةً: شيء يتّخذ من صفر يضرب أحدهما على الآخر، وآلة بأوتار يضرب بها، ويقال لما يجعل في إطار الدّفّ من النّحاس المدوّر صغاراً صنوج - أيضاً -. ويؤخذ من استعمالات الفقهاء للفظ الصّنجة أنّ المراد بها عندهم: قطع معدنيّة ذات أثقال محدودة مختلفة المقادير يوزن بها.
2 - ينبغي للبائع أن يتّخذ ما يزن به من قطع من الحديد أو نحوه ممّا لا يتآكل، وتعيّر على الصّنج الطّيّارة، ولا يتّخذها من الحجارة، لأنّها تنتحت إذا قرع بعضها بعضاً فتنقص، فإذا دعت الحاجة إلى اتّخاذها من الحجارة لقصور يده عن اتّخاذها من الحديد أو نحوه أمره المحتسب بتجليدها، ثمّ يختمها المحتسب بعد العيار، ويجدّد المحتسب النّظر فيها بعد كلّ حين، لئلاّ يتّخذ البائع مثلها من الخشب. قال أبو يعلى: وممّا يتأكّد على المحتسب المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات، وليكن الأدب عليه أظهر وأكثر، ويجوز له إذا استراب بموازين السّوقة ومكاييلهم أن يختبرها ويعايرها. ولو كان له على ما عايره منها طابع معروف بين العامّة لا يتعاملون إلاّ به كان أحوط وأسلم، فإن فعل ذلك وتعامل قوم بغير ما طبع بطابعه توجّه الإنكار عليهم إن كان مبخوساً من وجهين: أحدهما: مخالفته في العدول عن مطبوعه، وإنكاره من الحقوق السّلطانيّة. والثّاني: البخس والتّطفيف في الحقوق، وإنكاره من الحقوق الشّرعيّة. وإن كان ما تعاملوا به من غير المطبوع سليماً من بخس ونقص توجّه الإنكار بحقّ السّلطنة وحدها لأجل المخالفة. وللتّفصيل ر: (مقادير). هذا عن الصّنجة بمعنى ما يوزن به. أمّا الصّنج بمعنى ما يتّخذ من صفر يضرب أحدهما على الآخر، أو الآلة بأوتار يضرب بها أو ما يجعل في إطار الدّفّ من النّحاس المدوّر فتفصيله في مصطلح: (معازف).
انظر: كلام
انظر: تصوير
انظر: شعر وصوف ووبر
1 - الصّوم في اللّغة: الإمساك مطلقاً عن الطّعام والشّراب والكلام والنّكاح والسّير. قال تعالى - حكايةً عن مريم عليها السلام -: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}. والصّوم: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً. وفي الاصطلاح: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.
أ - الإمساك: 2 - الإمساك لغةً: هو حبس الشّيء والاعتصام به، وأخذه وقبضه، والإمساك عن الكلام هو: السّكوت، والإمساك: البخل. وقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} أمر بحبسهنّ وهو بذلك أعمّ من الصّوم. ب - الكفّ: 3 - الكفّ عن الشّيء لغةً: تركه، وإذا ذكر المتعلّق من الطّعام والشّراب كان مساوياً للصّوم. ج - الصّمت: 4 - الصّمت وكذا السّكوت لغةً: الإمساك عن النّطق، وهما أخصّ من الصّوم لغةً، لا شرعاً، لأنّ بينهما وبينه تبايناً.
5 - أجمعت الأمّة على أنّ صوم شهر رمضان فرض. والدّليل على الفرضيّة الكتاب والسّنّة والإجماع. أمّا الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ}: أي فرض. وقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وأمّا السّنّة: فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان «. كما انعقد الإجماع على فرضيّة صوم شهر رمضان، لا يجحدها إلاّ كافر.
6 - وردت في فضل الصّوم أحاديث كثيرة، نذكر منها ما يلي: أ - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: » من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه «. ب - وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب اللّه عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنّة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشّياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر «. ج - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: » إنّ في الجنّة باباً، يقال له: الرّيّان، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصّائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد «. د - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يغفر له «.
7 - تتجلّى حكمة الصّوم فيما يلي: أ - أنّ الصّوم وسيلة إلى شكر النّعمة، إذ هو كفّ النّفس عن الأكل والشّرب والجماع، وإنّها من أجلّ النّعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النّعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقّها بالشّكر، وشكر النّعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرّبّ سبحانه وتعالى بقوله في آية الصّيام: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. ب - أنّ الصّوم وسيلة إلى التّقوى، لأنّه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة اللّه تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصّوم سبباً لاتّقاء محارم اللّه تعالى، وإنّه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصّوم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ج - أنّ في الصّوم قهر الطّبع وكسر الشّهوة، لأنّ النّفس إذا شبعت تمنّت الشّهوات، وإذا جاعت امتنعت عمّا تهوى، ولذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » يا معشر الشّباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم، فإنّه له وجاء « فكان الصّوم ذريعةً إلى الامتناع عن المعاصي. د - أنّ الصّوم موجب للرّحمة والعطف على المساكين، فإنّ الصّائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرّقّة عليه، والرّحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند اللّه تعالى من حسن الجزاء. هـ - في الصّوم موافقة الفقراء، بتحمّل ما يتحمّلون أحياناً، وفي ذلك رفع حاله عند اللّه تعالى. و - في الصّوم قهر للشّيطان، فإنّ وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب، ولذلك جاء في حديث صفيّة رضي الله عنها قوله - عليه الصلاة والسلام -: » إنّ الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم، فضيّقوا مجاريه بالجوع «.
8 - ينقسم الصّوم إلى صوم عين، وصوم دين. وصوم العين: ماله وقت معيّن: أ - إمّا بتعيين اللّه تعالى، كصوم رمضان، وصوم التّطوّع خارج رمضان، لأنّ خارج رمضان متعيّن للنّفل شرعاً. ب - وإمّا بتعيين العبد، كالصّوم المنذور به في وقت بعينه. وأمّا صوم الدّين، فما ليس له وقت معيّن، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفّارة القتل والظّهار واليمين والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحجّ، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، بأن قال: واللّه لأصومنّ شهراً.
ينقسم الصّوم المفروض من العين والدّين، إلى قسمين: منه ما هو متتابع، ومنه ما هو غير متتابع، بل صاحبه بالخيار: إن شاء تابع، وإن شاء فرّق.
9 - أ - صوم رمضان، فقد أمر اللّه تعالى بصوم الشّهر بقوله سبحانه: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والشّهر متتابع، لتتابع أيّامه، فيكون صومه متتابعا ضرورةً. ب - صوم كفّارة القتل الخطأ، وصوم كفّارة الظّهار، والصّوم المنذور به في وقت بعينه، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان. وتفصيله في مصطلح: (تتابع).
10 - أ - قضاء رمضان، فمذهب الجمهور عدم اشتراط التّتابع فيه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإنّه ذكر الصّوم مطلقاً عن التّتابع. ويروى عن جماعة من الصّحابة، منهم: عليّ، وابن عبّاس، وأبو سعيد، وعائشة، رضي الله تعالى عنهم أنّهم قالوا: إن شاء تابع، وإن شاء فرّق. ولو كان التّتابع شرطاً، لما احتمل الخفاء على هؤلاء الصّحابة، ولما احتمل مخالفتهم إيّاه. ومذهب الجمهور هو: ندب التّتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض. وروي عن مجاهد أنّه يشترط تتابعه لأنّ القضاء يكون على حسب الأداء، والأداء وجب متتابعاً، فكذا القضاء. ب - الصّوم في كفّارة اليمين، وفي تتابعه خلاف، وتفصيله في مصطلح: (تتابع). ج - صوم المتعة في الحجّ، وصوم كفّارة الحلق، وصوم جزاء الصّيد، وصوم النّذر المطلق، وصوم اليمين المطلقة. قال اللّه - عزّ وجلّ - في صوم المتعة: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ}. وقال في كفّارة الحلق: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. وقال في جزاء الصّيد: {أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}. فذكر الصّوم في هذه الآيات مطلقاً عن شرط التّتابع. وكذا: النّاذر، والحالف في النّذر المطلق، واليمين المطلقة، ذكر الصّوم فيها مطلقاً عن شرط التّتابع. وللتّفصيل انظر مصطلح: (نذر، وأيمان).
الأوّل: وهو قضاء ما أفسده من صوم النّفل: 11 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ قضاء نفل الصّوم إذا أفسده واجب، واستدلّ له الحنفيّة: بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: » كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه. فجاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة - وكانت ابنة أبيها - فقالت يا رسول اللّه: إنّا كنّا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال: اقضيا يوماً آخر مكانه «. وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه خرج يوماً على أصحابه، فقال: إنّي أصبحت صائماً، فمرّت بي جارية لي، فوقعت عليها، فما ترون؟ فقال عليّ: أصبت حلالاً، وتقضي يوماً مكانه، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أنت أحسنهم فتيا. ولأنّ ما أتى به قربةً، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولا يمكن ذلك إلاّ بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه عند الإفساد ضرورةً، فصار كالحجّ والعمرة المتطوّعين. والحنفيّة لا يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النّافلة عن قصد، أو غير قصد بأن عرض الحيض للصّائمة المتطوّعة. وإنّما اختلفوا في الإفساد نفسه، هل يباح أو لا؟ فظاهر الرّواية، أنّه لا يباح إلاّ بعذر، وهذه الرّواية الصّحيحة. وفي رواية أخرى، هي رواية المنتقى: يباح بلا عذر، واستوجهها الكمال إذ قال: واعتقادي أنّ رواية المنتقى أوجه لكن قيّدت بشرط أن يكون من نيّته القضاء. واختلفوا - على ظاهر الرّواية - هل الضّيافة عذر أو لا؟. قال في الدّرّ: والضّيافة عذر، إن كان صاحبها ممّن لا يرضى بمجرّد حضوره، ويتأذّى بترك الإفطار، فيفطر، وإلاّ لا، هذا هو الصّحيح من المذهب، حتّى لو حلف عليه رجل بالطّلاق الثّلاث، أفطر ولو كان صومه قضاءً، ولا يحنّثه على المعتمد. وقيل: إن كان صاحب الطّعام يرضى بمجرّد حضوره، وإن لم يأكل، لا يباح له الفطر. وإن كان يتأذّى بذلك يفطر. وهذا إذا كان قبل الزّوال، أمّا بعده فلا، إلاّ لأحد أبويه إلى العصر، لا بعده. والمالكيّة أوجبوا القضاء بالفطر العمد الحرام، احترازاً عن الفطر نسياناً أو إكراهاً، أو بسبب الحيض والنّفاس، أو خوف مرض أو زيادته، أو شدّة جوع أو عطش، حتّى لو أفطر لحلف شخص عليه بطلاق باتّ، فلا يجوز الفطر، وإن أفطر قضى. واستثنوا ما إذا كان لفطره وجه: كأن حلف بطلاقها، ويخشى أن لا يتركها إن حنث، فيجوز الفطر ولا قضاء. أو أن يأمره أبوه أو أمّه بالفطر، حناناً وإشفاقاً عليه من إدامة الصّوم، فيجوز له الفطر، ولا قضاء عليه. أو يأمره أستاذه أو مربّيه بالإفطار، وإن لم يحلف الوالدان أو الشّيخ. 12 - والشّافعيّة والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصّوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، وذلك لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: » يا رسول اللّه، أهدي إلينا حيس فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً. فأكل « وزاد النّسائيّ: » إنّما مثل صوم المتطوّع مثل الرّجل يخرج من ماله الصّدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها «. ولحديث أمّ هانئ رضي الله تعالى عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثمّ ناولها فشربت، فقالت: يا رسول اللّه، أما إنّي كنت صائمةً، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » الصّائم المتطوّع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر « وفي رواية: » أمير نفسه «. ولحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: صنعت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلمّا وضع الطّعام قال رجل من القوم: إنّي صائم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » دعاكم أخوكم، وتكلّف لكم. ثمّ قال له: أفطر، وصم مكانه يوماً إن شئت «. ولأنّ القضاء يتبع المقضيّ عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحبّ. ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن يستحبّ، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التّطوّع مع العذر. أمّا مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}. ومن العذر أن يعزّ على من ضيّفه امتناعه من الأكل. وإذا أفطر فإنّه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلاّ أثيب. الثّاني: صوم الاعتكاف، وفيه خلاف، وتفصيله في مصطلح: (اعتكاف ج 5 ف 17).
13 - وهو: أ - صوم يوم عاشوراء. ب - صوم يوم عرفة. ج - صوم يوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع. د - صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وهي الأيّام البيض. هـ- صيام ستّة أيّام من شوّال. و- صوم شهر شعبان. ز- صوم شهر المحرّم. ح- صوم شهر رجب. ط- صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السّنّة الشّريفة. وتفصيل أحكام هذا الصّوم في مصطلح: (صوم التّطوّع).
أ - إفراد يوم الجمعة بالصّوم: 14 - نصّ على كراهته الجمهور، وقد ورد فيه حديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: » لا تصوموا يوم الجمعة، إلاّ وقبله يوم، أو بعده يوم «، وفي رواية: » إنّ يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلاّ أن تصوموا قبله أو بعده «. وورد في حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: » لا تصوموا يوم الجمعة وحده «. وذكر في الخانيّة أنّه لا بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمّد، لما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّه كان يصومه ولا يفطر، وظاهر هذا أنّ المراد - بلا بأس- الاستحباب، وقد صرّح الحصكفيّ بندب صومه، ولو منفرداً. وكذا الدّردير صرّح بندب صومه وحده فقط، لا قبله ولا بعده وهو المذهب عند المالكيّة، وقال: فإن ضمّ إليه آخر فلا خلاف في ندبه. وقال الطّحطاويّ: ثبت في السّنّة طلب صومه، والنّهي عنه، والأخير منهما: النّهي. وقال أبو يوسف: جاء حديث في كراهة صومه، إلاّ أن يصوم قبله أو بعده، فكان الاحتياط في أن يضمّ إليه يوماً آخر. قال الشّوكانيّ: فمطلق النّهي عن صومه مقيّد بالإفراد. وتنتفي الكراهة بضمّ يوم آخر إليه، لحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري «. ب – صوم يوم السّبت وحده خصوصاً: 15 - وهو متّفق على كراهته، وقد ورد فيه حديث عبد اللّه بن بسر، عن أخته، واسمها الصّمّاء رضي الله تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: » لا تصوموا يوم السّبت إلاّ فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه « ووجه الكراهة أنّه يوم تعظّمه اليهود، ففي إفراده بالصّوم تشبّه بهم، إلاّ أن يوافق صومه بخصوصه يوماً اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء. ج - صوم يوم الأحد بخصوصه: 16 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ تعمّد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلاّ إذا وافق يوماً كان يصومه، واستظهر ابن عابدين أنّ صوم السّبت والأحد معاً ليس فيه تشبّه باليهود والنّصارى، لأنّه لم تتّفق طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الاثنين، فإنّه تزول الكراهة، ويستظهر من نصّ الحنابلة أنّه يكره صيام كلّ عيد لليهود والنّصارى أو يوم يفردونه بالتّعظيم إلاّ أن يوافق عادةً للصّائم. د - إفراد يوم النّيروز بالصّوم: 17 - يكره إفراد يوم النّيروز، ويوم المهرجان بالصّوم، وذلك لأنّهما يومان يعظّمهما الكفّار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصّوم - دون غيرهما - موافقةً لهم في تعظيمهما، فكره، كيوم السّبت. وعلى قياس هذا كلّ عيد للكفّار، أو يوم يفردونه بالتّعظيم ونصّ ابن عابدين على أنّ الصّائم إذا قصد بصومه التّشبّه، كانت الكراهة تحريميّةً. هـ – صوم الوصال: 18 – ذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول – إلى كراهة صوم الوصال، وهو: أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتّى يتّصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين، وفسّره بعض الحنفيّة بأن يصوم السّنة ولا يفطر في الأيّام المنهيّة. وإنّما كره، لما روي عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: » واصل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان، فواصل النّاس.. فنهاهم، قيل له: إنّك تواصل، قال: إنّي لست مثلكم، إنّي أطعم وأسقى «. والنّهي وقع رفقاً ورحمةً، ولهذا واصل النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرّد الشّرب لانتفاء الوصال. ولا يكره الوصال إلى السّحر عند الحنابلة، لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً: » فأيّكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتّى السّحر « ولكنّه ترك سنّةً، وهي: تعجيل الفطر، فترك ذلك أولى محافظةً على السّنّة. وعند الشّافعيّة قولان: الأوّل وهو الصّحيح: بأنّ الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ رحمه الله، والثّاني: يكره كراهة تنزيه. و - صوم الدّهر - صوم العمر -: 19 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة - على وجه العموم إلى كراهة صوم الدّهر، وعلّلت الكراهة بأنّه يضعف الصّائم عن الفرائص والواجبات والكسب الّذي لا بدّ منه، أو بأنّه يصير الصّوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة. واستدلّ للكراهة، بحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » لا صام من صام الأبد «. وفي حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: » قال عمر: يا رسول اللّه، كيف بمن يصوم الدّهر كلّه؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر « أي: لم يحصّل أجر الصّوم لمخالفته، ولم يفطر لأنّه أمسك. وقال الغزاليّ: هو مسنون. وقال الأكثرون من الشّافعيّة: إن خاف منه ضرراً، أو فوّت به حقّاً كره، وإلاّ فلا. والمراد بصوم الدّهر عند الشّافعيّة: سرد الصّوم في جميع الأيّام إلاّ الأيّام الّتي لا يصحّ صومها وهي: العيدان وأيّام التّشريق.
20 - ذهب الجمهور إلى تحريم صوم الأيّام التّالية: أ - صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيّام التّشريق، وهي: ثلاثة أيّام بعد يوم النّحر. وذلك لأنّ هذه الأيّام منع صومها لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: » أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النّحر «. وحديث نبيشة الهذليّ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب، وذكر اللّه - عزّ وجلّ - «. وذهب الحنفيّة إلى جواز الصّوم فيها مع الكراهة التّحريميّة، لما في صومها من الإعراض عن ضيافة اللّه تعالى، فالكراهة ليست لذات اليوم، بل لمعنىً خارج مجاور، كالبيع عند الأذان يوم الجمعة، حتّى لو نذر صومها صحّ، ويفطر وجوباً تحامياً عن المعصية، ويقضيها إسقاطاً للواجب، ولو صامها خرج عن العهدة، مع الحرمة. وصرّح الحنابلة بأنّ صومها لا يصحّ فرضاً ولا نفلاً، وفي رواية عن أحمد أنّه يصومها عن الفرض. واستثنى المالكيّة والحنابلة في رواية: صوم أيّام التّشريق عن دم المتعة والقران، ونقل المرداويّ أنّها المذهب، لقول ابن عمر وعائشة - رضي الله تعالى عنهم - لم يرخّص في أيّام التّشريق أن يصمن إلاّ لمن لم يجد الهدي. وهذا هو القديم عند الشّافعيّة، والأصحّ الّذي اختاره النّوويّ ما في الجديد وهو: عدم صحّة الصّوم فيها مطلقاً. قال الغزاليّ: وأمّا صوم يوم النّحر، فقطع الشّافعيّ - رحمه الله تعالى - ببطلانه، لأنّه لم يظهر انصراف النّهي عن عينه ووصفه، ولم يرتض قولهم: إنّه نهى عنه، لما فيه من ترك إجابة الدّعوة بالأكل. ب - ويحرم صيام الحائض والنّفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.
21 - يجب صوم رمضان بإكمال شعبان ثلاثين يوماً اتّفاقاً، أو رؤية الهلال ليلة الثّلاثين، وفي ثبوت الرّؤية خلاف بين الفقهاء ينظر في مصطلح: (رؤية ف 2، ورمضان ف 2).
22 - من رأى هلال رمضان وحده، وردّت شهادته، لزمه الصّوم وجوباً، عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - وهو مشهور مذهب أحمد، وذلك: للآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. ولحديث: » صوموا لرؤيته «. وحديث: » الصّوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون «. ولأنّه تيقّن أنّه من رمضان، فلزمه صومه، كما لو حكم به الحاكم. وروي عن أحمد: أنّه لا يصوم إلاّ في جماعة من النّاس. وقيل: يصوم ندباً احتياطاً، كما ذكره الكاسانيّ. وقال المالكيّة: إن أفطر فعليه القضاء، وإذا اعتقد عدم وجوب الصّوم عليه كغيره لجهله فقولان عندهم في وجوب الكفّارة، لأنّه ليس بعد العيان بيان، أو عدم وجوب الكفّارة، بسبب عدم وجوب الصّوم على غيره. 23 - وإن رأى هلال شوّال وحده، لم يفطر عند الجمهور، خوف التّهمة وسدّاً للذّريعة، وقيل: يفطر إن خفي له ذلك، وقال أشهب: ينوي الفطر بقلبه، وعلى المذهب - وقول الجمهور الّذين منهم المالكيّة - إن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن عثر عليه عوقب إن اتّهم، ولا كفّارة، كما نصّ عليه الحنفيّة، لشبهة الرّدّ. وقال الشّافعيّ: له أن يفطر، لأنّه تيقّن من شوّال، فجاز له الأكل كما لو قامت بيّنة لكن يفطر سرّاً، بحيث لا يراه أحد، لأنّه إذا أظهر الفطر عرّض نفسه للتّهمة، وعقوبة السّلطان. وقال الحنفيّة: لو أفطر من رأى الهلال وحده في الوقتين: رمضان وشوّال قضى ولا كفّارة عليه، لأنّه بردّ شهادته في رمضان، صار مكذّباً شرعاً، ولو كان فطره قبل ما ردّ القاضي شهادته لا كفّارة عليه في الصّحيح الرّاجح، لقيام الشّبهة، لأنّ ما رآه يحتمل أن يكون خيالاً، لا هلالاً - كما يقول الحصكفيّ -. وقيل: تجب الكفّارة فيهما - أي في الفطر وفي رمضان - وذلك للظّاهر بين النّاس في الفطر، وللحقيقة الّتي عنده في رمضان. ركن الصّوم: 24 - ركن الصّوم باتّفاق الفقهاء هو: الإمساك عن المفطرات، وذلك من طلوع الفجر الصّادق، حتّى غروب الشّمس. ودليله قوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}. والمراد من النّصّ: بياض النّهار وظلمة اللّيل، لا حقيقة الخيطين، فقد أباح اللّه تعالى هذه الجملة من المفطرات ليالي الصّيام، ثمّ أمر بالإمساك عنهنّ في النّهار، فدلّ على أنّ حقيقة الصّوم وقوامه هو ذلك الإمساك.
25 - شروط وجوب الصّوم، أي: اشتغال الذّمّة بالواجب - كما يقول الكاسانيّ - هي شروط افتراضه والخطاب به. وهي: أ - الإسلام، وهو شرط عامّ للخطاب بفروع الشّريعة. ب - العقل، إذ لا فائدة من توجّه الخطاب بدونه، فلا يجب الصّوم على مجنون إلاّ إذا أثم بزوال عقله، في شراب أو غيره، ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة. وعبّر الحنفيّة بالإفاقة بدلاً من العقل، أي الإفاقة من الجنون والإغماء أو النّوم، وهي اليقظة. ج - البلوغ، ولا تكليف إلاّ به، لأنّ الغرض من التّكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك والقدرة على الفعل - كما هو معلوم في الأصول - والصّبا والطّفولة عجز. ونصّ الفقهاء على أنّه يؤمر به الصّبيّ لسبع - كالصّلاة - إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر. والحنابلة قالوا: يجب على وليّه أمره بالصّوم إذا أطاقه، وضربه حينئذ إذا تركه ليعتاده، كالصّلاة، إلاّ أنّ الصّوم أشقّ، فاعتبرت له الطّاقة، لأنّه قد يطيق الصّلاة من لا يطيق الصّوم. د - العلم بالوجوب، فمن أسلم في دار الحرب، يحصل له العلم الموجب، بإخبار رجلين عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل.
26 - شروط وجوب الأداء الّذي هو تفريغ ذمّة المكلّف عن الواجب في وقته المعيّن له هي: أ - الصّحّة والسّلامة من المرض، لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. ب - الإقامة، للآية نفسها. قال ابن جزيّ: وأمّا الصّحّة والإقامة، فشرطان في وجوب الصّيام، لا في صحّته، ولا في وجوب القضاء، فإنّ وجوب الصّوم يسقط عن المريض والمسافر، ويجب عليهما القضاء، إن أفطرا إجماعاً، ويصحّ صومهما إن صاما. ج - خلوّ المرأة من الحيض والنّفاس، لأنّ الحائض والنّفساء ليستا أهلاً للصّوم، ولحديث عائشة رضي الله تعالى عنها لمّا سألتها معاذة: » ما بال الحائض، تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة؟ فقالت: أحروريّة أنت؟ قلت: لست بحروريّة، ولكنّي أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم، ولا نؤمر بقضاء الصّلاة «. فالأمر بالقضاء فرع وجوب الأداء. والإجماع منعقد على منعهما من الصّوم، وعلى وجوب القضاء عليهما.
27 - شروط صحّة الصّوم هي: أ - الطّهارة من الحيض والنّفاس، وقد عدّها بعض الفقهاء من شروط الصّحّة، كالكمال من الحنفيّة، وابن جزيّ من المالكيّة. وعدّها بعضهم من شروط وجوب الأداء، وشروط الصّحّة معاً. ب - خلوّه عمّا يفسد الصّوم بطروّه عليه كالجماع. ج - النّيّة. وذلك لأنّ صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلاّ بالنّيّة، كسائر العبادات. ولحديث: » إنّما الأعمال بالنّيّات «. والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرّياضة، فلا يتعيّن إلاّ بالنّيّة، كالقيام إلى الصّلاة والحجّ. قال النّوويّ: لا يصحّ الصّوم إلاّ بنيّة، ومحلّها القلب، ولا يشترط النّطق بها، بلا خلاف. وقال الحنفيّة: التّلفّظ بها سنّة.
صفة النّيّة، أن تكون جازمةً، معيّنةً، مبيّتةً، مجدّدةً، على ما يلي: 28 - أوّلاً: الجزم، فقد اشترط في نيّة الصّوم، قطعاً للتّردّد، حتّى لو نوى ليلة الشّكّ، صيام غد، إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنّه إن وجد غداءً غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم. ونصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلاّ فهو نفل، أو فأنا مفطر، لم يصحّ صومه، إن ظهر أنّه من رمضان، لعدم جزمه بالنّيّة. وإن قال ذلك ليلة الثّلاثين من رمضان، صحّ صومه إن بان منه، لأنّه مبنيّ على أصل لم يثبت زواله، ولا يقدح تردّده، لأنّه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قاله ليلة الثّلاثين من شعبان، لأنّه لا أصل معه يبني عليه، بل الأصل بقاء شعبان. 29 - ثانياً: التّعيين، والجمهور من الفقهاء ذهبوا إلى أنّه لا بدّ من تعيين النّيّة في صوم رمضان، وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصّوم، ولا تعيين صوم معيّن غير رمضان. وكمال النّيّة - كما قال النّوويّ -: أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السّنة للّه تعالى. وإنّما اشترط التّعيين في ذلك، لأنّ الصّوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التّعيين في نيّتها، كالصّلوات الخمس، ولأنّ التّعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التّعيين عن نيّة الفريضة في الفرض، والوجوب في الواجب. وذهب الحنفيّة في التّعيين إلى تقسيم الصّيام إلى قسمين: القسم الآول: لا يشترط فيه التّعيين، وهو: أداء رمضان، والنّذر المعيّن زمانه، وكذا النّفل، فإنّه يصحّ بمطلق نيّة الصّوم، من غير تعيين. وذلك لأنّ رمضان معيار - كما يقول الأصوليّون - وهو مضيق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصّوم، فلم يشرع فيه صوم آخر، فكان متعيّناً للفرض، والمتعيّن لا يحتاج إلى تعيين، والنّذر المعيّن معتبر بإيجاب اللّه تعالى، فيصاب كلّ منهما بمطلق النّيّة، وبأصلها، وبنيّة نفل، لعدم المزاحم كما يقول الحصكفيّ. وكلّ يوم معيّن للنّفل - كما سيأتي - ما عدا رمضان، والأيّام المحرّم صومها، وما يعيّنه المكلّف بنفسه، فكلّ ذلك متعيّن، ولا يحتاج إلى التّعيين. والقسم الثّاني: يشترط فيه التّعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النّفل، وصوم الكفّارات بأنواعها، والنّذر المطلق عن التّقييد بزمان، سواء أكان معلّقاً بشرط، أم كان مطلقاً، لأنّه ليس له وقت معيّن، فلم يتّأد إلاّ بنيّة مخصوصة، قطعاً للمزاحمة. 30 - ثالثاً - التّبييت: وهو شرط في صوم الفرض عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة والتّبييت: إيقاع النّيّة في اللّيل، ما بين غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن الغروب أو الفجر أو شكّ، لم يصحّ، كما هو قضيّة التّبييت. وفي قول للمالكيّة، يصحّ لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأنّ الأصل في النّيّة المقارنة للمنويّ. ويجوز أن تقدّم من أوّل اللّيل، ولا تجوز قبل اللّيل. وذلك لحديث ابن عمر، عن حفصة رضي الله تعالى عنهم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: » من لم يجمع الصّيام قبل الفجر، فلا صيام له «. ولأنّ صوم القضاء والكفّارات، لا بدّ لها من تبييت النّيّة، فكذا كلّ صوم فرض معيّن. ولا تجزئ بعد الفجر ويجزئ مع طلوع الفجر إن اتّفق ذلك، وإن روى ابن عبد الحكم أنّها لا تجزئ مع الفجر، وكلام القرافيّ وآخرين يفيد أنّ الأصل كونها مقارنةً للفجر، ورخّص تقدّمها عليه للمشقّة في مقارنتها له. والصّحيح عند الشّافعيّة والحنابلة: أنّه لا يشترط في التّبييت النّصف الآخر من اللّيل، لإطلاقه في الحديث، ولأنّ تخصيص النّيّة بالنّصف الأخير يفضي إلى تفويت الصّوم، لأنّه وقت النّوم، وكثير من النّاس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصّوم، والشّارع إنّما رخّص في تقديم النّيّة على ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصّها بمحلّ لا تندفع المشقّة بتخصيصها به، ولأنّ تخصيصها بالنّصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تقرّب النّيّة من العبادة، لمّا تعذّر اقترانها بها. والصّحيح أيضاً: أنّه لا يضرّ الأكل والجماع بعد النّيّة ما دام في اللّيل، لأنّه لم يلتبس بالعبادة، وقيل: يضرّ فتحتاج إلى تجديدها، تحرّزاً عن تخلّل المناقض بينها وبين العبادة، لمّا تعذّر اقترانها بها. والصّحيح أيضاً: أنّه لا يجب التّجديد لها إذا نام بعدها، ثمّ تنبّه قبل الفجر، وقيل: يجب، تقريباً للنّيّة من العبادة بقدر الوسع. والحنفيّة لم يشترطوا التّبييت في رمضان. ولمّا لم يشترطوا تبييت النّيّة في ليل رمضان، أجازوا النّيّة بعد الفجر دفعاً للحرج أيضاً، حتّى الضّحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون الأكثر منويّاً، فيكون له حكم الكلّ، حتّى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلوّ الأكثر عن النّيّة، تغليباً للأكثر. والضّحوة الكبرى: نصف النّهار الشّرعيّ، وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب الشّمس. وقال الحنفيّة، منهم الموصليّ: والأفضل الصّوم بنيّة معيّنة مبيّتة للخروج عن الخلاف. ودليل الحنفيّة على ما ذهبوا إليه، من صحّة النّيّة حتّى الضّحوة الكبرى، وعدم شرطيّة التّبييت: حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: » أنّ النّاس أصبحوا يوم الشّكّ، فقدم أعرابيّ، وشهد برؤية الهلال، فقال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّي رسول اللّه؟ فقال: نعم، فقال عليه الصلاة والسلام: اللّه أكبر، يكفي المسلمين أحدهم، فصام وأمر بالصّيام، وأمر منادياً فنادى: ألا من أكل فلا يأكل بقيّة يومه، ومن لم يأكل فليصم «. فقد أمر بالصّوم، وأنّه يقتضي القدرة على الصّوم الشّرعيّ، ولو شرطت النّيّة من اللّيل لما كان قادراً عليه، فدلّ على عدم اشتراطها. واستدلّوا أيضاً، بما ورد في الحديث: » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتمّ بقيّة يومه، ومن أصبح صائماً فليصم«. وكان صوم عاشوراء واجباً، ثمّ نسخ بفرض رمضان. واشترط الحنفيّة تبييت النّيّة في صوم الكفّارات والنّذور المطلقة وقضاء رمضان. 31 - أمّا النّفل فيجوز صومه عند الجمهور - خلافاً للمالكيّة - بنيّة قبل الزّوال، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: » دخل عليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟، فقلنا: لا فقال: فإنّي إذن صائم «. ولأنّ النّفل أخفّ من الفرض، والدّليل عليه: أنّه يجوز ترك القيام في النّفل مع القدرة، ولا يجوز في الفرض. وعند بعض الشّافعيّة يجوز بنيّة بعد الزّوال، والمذهب في القديم والجديد: لا يجوز، لأنّ النّيّة لم تصحب معظم العبادة. ومذهب المالكيّة: أنّه يشترط في صحّة الصّوم مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، نيّة مبيّتة، وذلك لإطلاق الحديث المتقدّم: » من لم يجمع الصّيام من اللّيل، فلا صيام له «. ومذهب الحنابلة جواز النّيّة في النّفل، قبل الزّوال وبعده، واستدلّوا بحديث عائشة، وحديث صوم يوم عاشوراء، وأنّه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم وأنّه لم ينقل عن أحد من الصّحابة ما يخالفه صريحاً، والنّيّة وجدت في جزء من النّهار، فأشبه وجودها قبل الزّوال بلحظه. ويشترط لجواز نيّة النّفل في النّهار عند الحنابلة: أن لا يكون فعل ما يفطره قبل النّيّة، فإن فعل فلا يجزئه الصّوم، قال البهوتيّ: بغير خلاف نعلمه، قاله في الشّرح، لكن خالف فيه أبو زيد الشّافعيّ. وعند الشّافعيّة وجهان في اعتبار الثّواب: من أوّل النّهار، أم من وقت النّيّة؟ أصحّهما عند الأكثرين: أنّه صائم من أوّل النّهار، كما إذا أدرك الإمام في الرّكوع، يكون مدركاً لثواب جميع الرّكعة، فعلى هذا يشترط جميع شروط الصّوم من أوّل النّهار. 32 - رابعاً: تجديد النّيّة: ذهب الجمهور إلى تجديد النّيّة في كلّ يوم من رمضان، من اللّيل أو قبل الزّوال - على الخلاف السّابق - وذلك: لكي يتميّز الإمساك عبادةً، عن الإمساك عادةً أو حميةً. ولأنّ كلّ يوم عبادة مستقلّة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخلّلها ما ينافيها، وهو اللّيالي الّتي يحلّ فيها ما يحرّم في النّهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحجّ وركعات الصّلاة. وذهب زفر ومالك - وهو رواية عن أحمد - أنّه تكفي نيّة واحدة عن الشّهر كلّه في أوّله، كالصّلاة. وكذلك في كلّ صوم متتابع، ككفّارة الصّوم والظّهار، ما لم يقطعه أو يكن على حاله يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النّيّة، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التّفريق، فكفت نيّة واحدة، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها، كالصّلاة. فعلى ذلك لو أفطر يوماً لعذر أو غيره، لم يصحّ صيام الباقي بتلك النّيّة، كما جزم به بعضهم، وقيل: يصحّ، وقدّمه بعضهم. ويقاس على ذلك النّذر المعيّن ومع ذلك، فقد قال ابن عبد الحكم - من المالكيّة -: لا بدّ في الصّوم الواجب المتتابع من النّيّة كلّ يوم، نظراً إلى أنّه كالعبادات المتعدّدة، من حيث عدم فساد ما مضى منه بفساد ما بعده. بل روي عن زفر أنّ المقيم الصّحيح، لا يحتاج إلى نيّة، لأنّ الإمساك متردّد بين العادة والعبادة، فكان متردّداً بأصله متعيّناً بوصفه، فعلى أيّ وجه أتى به وقع عنه.
33 - اشترط الفقهاء الدّوام على النّيّة، فلو نوى الصّيام من اللّيل ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر لا يصير صائماً. قال الطّحطاويّ: ويشترط الدّوام عليها. فلو نوى من اللّيل، ثمّ رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر، صحّ رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلاّ القضاء، بانقطاع النّيّة بالرّجوع، فلا كفّارة عليه في رمضان، لشبهة خلاف من اشترط التّبييت، إلاّ إذا جدّد النّيّة، بأن ينوي الصّوم في وقت النّيّة، تحصيلاً لها، لأنّ الأولى غير معتبرة، بسبب الرّجوع عنها. ولا تبطل النّيّة بقوله: أصوم غداً إن شاء اللّه، لأنّه بمعنى الاستعانة، وطلب التّوفيق والتّيسير. والمشيئة إنّما تبطل اللّفظ، والنّيّة فعل القلب. قال البهوتيّ: وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيّتها. ولا تبطل النّيّة بأكله أو شربه أو جماعه بعدها عند جمهور الفقهاء،وحكي عن أبي إسحاق بطلانها، ولو رجع عن نيّته قبل طلوع الفجر صحّ رجوعه. ولو نوى الإفطار في أثناء النّهار فمذهب الحنفيّة والشّافعيّة أنّه لا يفطر، كما لو نوى التّكلّم في صلاته ولم يتكلّم، قال البيجوريّ: ويضرّ رفض النّيّة ليلاً، ولا يضرّ نهاراً. وقال المالكيّة والحنابلة: يفطر، لأنّه قطع نيّة الصّوم بنيّة الإفطار، فكأنّه لم يأت بها ابتداءً.
34 - اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصّيام من اللّيل، ثمّ طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر، فإن لم يفق إلاّ بعد غروب الشّمس، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم صحّة صومه، لأنّ الصّوم هو الإمساك مع النّيّة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » قال اللّه: كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي « فأضاف ترك الطّعام والشّراب إليه، فإذا كان مغمىً عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه. وذهب الحنفيّة إلى صحّة صومه، لأنّ نيّته قد صحّت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحّة الصّوم، كالنّوم. أمّا إذا أفاق أثناء النّهار، فذهب الحنفيّة إلى تجديد النّيّة إذا أفاق قبل الزّوال، وذهب المالكيّة إلى عدم صحّة صومه، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أفاق في أيّ جزء من النّهار صحّ صومه، سواء أكان في أوّله أم في آخره. وفرّق الشّافعيّة بين الجنون والإغماء، فالمذهب: أنّه لو جنّ في أثناء النّهار بطل صومه، وقيل: هو كالإغماء. وأمّا الرّدّة بعد نيّة الصّوم فتبطل الصّوم بلا خلاف.
|